الأحد، 12 سبتمبر 2010

المجنون العاقل:


بينما كنت في قضاء مصلحة من مصالح الدنيا ركبت الحافلة و أنا مثقلة بالهموم و الأفكار ا ذ بي أسمع صوتا عاليا فاق ضجيج الحافلة، و أنتم أدرى ما معنى ركوب الحافلة في بلادنا خاصة في الفترة المسائية عندما يهم كل عامل أو طالب أو قاضي حاجة إلى الرجوع لبيته، انطلقت الحافلة و عم الهدوء نوعا ما لكن ذلك الصوت ظل يدوي. التفت حولي فإذا بي أرى شخصا متسخ البدن و الهندام ينظر إلى كل راكب يحدق عينيه و هو يتحدث و إشارات يديه لم تفارقه، أنصت بإمعان لما يقول رغم أني كنت متعبة، كلامه لا يوحي أبدا أنه فاقد عقل .

سألت و تساءلت هل بالفعل هذا مجنون ؟ !!!

حاول بعض الشباب إرغامه على السكوت لكنه أبى و كأنه يقول اسمعوني و اعو ما أقول فأنا لم أنطق إلا صدقا ، عاودت السؤال على نفسي هل بالفعل هذا مجنون؟ !!!.

لكني تأكدت لأنه كان يستعمل بعض الألفاظ الساقطة دون وعي منه رغم أنه يتحدث عن واقع ، صدقوني لا وزير و لا مسؤول أو حتى مواطن بسيط يتجرأ و يقول الكلام الذي قاله، و كما أنا سألت نفسي أنتم كذلك تتساءلون ما الذي قاله؟ !!!.

إن الواقع الاجتماعي الجزائري واقع ساخط لا يعرف إلا من هو ذو شأن و مكانة رفيعة، و ذو مال أيضا و لا يوجد به مكان للبسيط و من ليس له أصحاب معارف و نفوذ لم و لن يقضي حاجته، فقلت في نفسي سبحان الله إن ما أفكر فيه بالذات هو ما يقوله هذا المجنون العاقل لأني عدت من مشقة يوم عسير ما دمت لا أعرف أصحاب المال و النفوذ.

ثم بدأ يسرد يومياته و كيف أنه يتسول و لا يسرق حتى لا يحاسب عند ربه، سبحان الله من رفع عنه القلم يخاف من عذاب الله و من عاقبة السرقة في حين كم هم كثيرون أولئك العقلاء الذين جعلوا السرقة مهنة لهم، فهل هذا المجنون مجنونا ؟ !!!.

ثم راح إلى قضية أخرى و هي القضية الأكثر طرحا لأنها بالفعل تحتاج إلى وقفة إنه لباس شاباتنا و شبابنا، صدقوا أو لا تصدقوا وجد العبارة المناسبة الكاسيات العاريات سبحان الله مجنون يدرك ما معنى كاسيات عاريات في حين العقلاء لا يفهمونها أو بالأحرى لا يعرفونها و كيف أن الوالدين هم السبب الرئيسي في تدني أخلاق شباب هذا المجتمع لأنهم رضخوا لأمر أولادهم و تركوهم يفعلون ما يريدون و قد وصفهم بأوصاف فيها الكثير من العبارات التي يستحي منها المرء ما دمنا في حافلة تضم الرجل و المرأة،الأب و الأخ، الزوج و الزوجة على حد سواء .

ثم تطرق إلى قضية خروج الشباب و الشابات مع بعضهم و تكوين علاقات زوجية على حد تعبيره- غير شرعية- و يبتعدون عن الزواج الحلال في البيت.

سبحان الله أيعقل أن هذا المجنون أعقل من شبابنا؟ !!!.

القضية الرابعة و الأخيرة التي تحدث فيها هي قضية النزاعات العائلية و كيف أصبح أفراد العائلة الواحدة بعيدين عن بعضهم البعض بسبب الأخ أو الكنة أو قضية ميراث بين الأفراد ...الخ ،و كيف تشتت أًصولنا و طردت إلى ديار العجزة و كيف أن الله سيحاسب كل عاص لوالديه، و قاطع صلة رحمه، و تطرق إلى الماضي القريب الذي كانت فيه العائلة كتلة واحدة و جسد واحد لكن تمزقت أشلاء ليجد كل واحد منهم نفسه في طريق بعيد جدا عن طريق الآخر. أيعقل أن هذا مجنون؟ !!!.

لقد استمعت و حللت ووجدت كل الكلام الذي قيل منطقيا واقعيا يعبر بصدق عن واقع المجتمع الجزائري و يومياته و لو كان عاقلا لما تجرأ و تطرق إلى كل هذه القضايا الحساسة حتى و لو قال ما قيل عنه مجنون؟ لكن أؤكد أننا في زمن أصبحنا فيه بحاجة إلى مجنون يعقل العاقل لعله يعقل ؟ !!!أما هو فأعقل؟ !!!....

إنه المجنون العاقل

0 التعليقات:

إرسال تعليق