الخميس، 31 مارس 2011

روح المبادرة


جاء في الصحيحين أن أبا هريرة قال: "سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "يدخل من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً، تضيء وجوههم إضاءةَ القمر ليلة البدر".

قال أبوهريرة: فقام عكاشة بن محصن الأسدي، يرفع نَمِرَةً عليه، فقال: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله ": "اللهم اجعلْه منهم".

ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "سبقك بها عكاشة". وهذا أحد ألفاظ مسلم.

نعم إنها روح المبادرة التي دفعت عكاتشة رضي الله عنه دون غيره إلى اغتنام الفرصة و طلبه من رسول الله الدعاء له بمجرد سماعه القول فحاز على رضا الله و دعاء الرسول بل على السعادة العظمى بتلك البشارة الكبرى.

و هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على الإستعداد للعمل و المبادرة إليه بل إنه صاحب أفضل روح مبادرة على وجه الأرض فهو الأمي الذي بعث في الناس و الذي حفظ القرآن دون أن يقرأه منه نتعلم و نستفيد في هذه الحياة .

روح المبادرة في المجتمع

تعد المبادرة مصطلح قديم في الطرح حيث ظهر في الأعمال التجارية في القرن الثامن عشر ليتطور مع تطور المجتمعات خاصة في عصرنا الحالي، فيعتبر الشخص الذي يمتلك روح المبادرة بالشخص الذي يمكنه احداث ثورة و تغيير في المحيط الذي يعيش فيه بل يتعداه إلى مجتمعه و من ثم إلى العالم أجمع باعتبار هذا الأخير اليوم قرية صغيرة بامكان الفرد أن ينقر على زر واحد فقط لإسماع صوته و تغذية فكرته و انجاح مبادرته التي سعى إليها، و لعل أحسن مثال يعبر عن هذا الواقع هو أن الشخص أو الجماعة التي بادرت إلى إشراك المدون في لقاء تيداكس العالمي بالجزائر أشخاص يريدون تغيير واقع التدوين في الجزائر إلى أحسن مما هو عليه الآن لأنهم استغلوا الفرصة و لم يتركوها تضيع من بين أيديهم.

فكما يقول البارودي:

بادرِ الفرصةَ واحذرْ فوْتَها *** فبلوغُ العزِّ في نيلِ الفُرصْ

فابتدرْ مسعاك واعلمْ أنّ مَن *** بادرَ الصيدَ مع الفجرِ قَنَصْ

فقد تكون الفرصة فكرة فتننضج حقيقة لتصبح مشروعا مجسدا نجني ثماره مستقبلا، و مهما كانت قوة الإنسان العلمية و الفكرية فإنه لن يحقق مكاسبا إلا إذا انتهز فرصة الفكرة ليبادر اليها فيقوي مكانته و يفيد مجتمعه ووطنه.

كما يعتبر جوزيف شومبتر أن " روح المبادرة هي بمثابة قوة تدمير خلاقة يجري المبادر إلى ائتلافات جديدة " بمعنى استحداث طرق و آفاق جديدة تتيح للفرد امكانية التحديث و إطلاق مشاريع جديدة، و لولا وجود روح المبادرة هاته لما وصل العالم إلى هذه المرحلة من التطور و الإزدهار التي صاحبتها تطورات في وسائل الإتصال السريعة التي أدت بدورها إلى تغيرات واضحة المعالم كان آخرها الثورات العربية فروح المبادرة بدأت من شخص إلى أشخاص وقفوا في وجه النظام التونسي، و تلتها مبادرات كثيرة تستحق الذكر من شباب مصر ، ليبيا، الأردن، اليمن، البحرين، العراق، و آخرها سوريا.

و تختلف روح المبادرة من شخص إلى آخر ، و من مجتمع إلى آخر ، و من مجال إلى آخر ( التعليم، التجارة، الفن، السياسة ... الخ ) و لعل الركود الذي يعرفه مجتمعنا الجزائري يدعوا إلى التساؤل : هل الفرد الجزائري يملك روح المبادرة؟ و هل المشكل يكمن فيه أم راجع إلى سياسة حكومته ؟ سؤال عقيم يؤدي إلى متاهات كبيرة لأننا في بلد تقتل فيه كل المبادرات في المهد و أحيانا قبل أن تولد.

وكما أن المبادرة مهمة في حياة الفرد ومستقبله، هي ضرورية جداً في حياة المجتمعات ومستقبلها، وكما يتفاوت الأفراد في مدى الاستعداد للمبادرة كذلك هي المجتمعات البشرية، فنجد أن مجتمعاً ما تكثر فيه المبادرات في مختلف المجالات، في حين تفتقر بعض المجتمعات إلى روح المبادرة.

وكلما تحلى المجتمع بصفة المبادرة كلما كان أكثر تقدماً وتطوراً، أما المجتمع الذي يفتقد روح المبادرة فتراه متخلفاً فالسياسات في الدول المتقدمة تقدم تحفيزات للأشخاص المبادرين لمشاريع معينة حتى و لو تبدو مستحيلة، فاليابان حققت معجزاتها بعقلها و روح مبادرات أهلها الذي حولوا منطقة بركانية وزلزالية إلى أكبر بلد صناعي على وجه الأرض.

و قد تبرز مستويات مختلفة من روح المبادرة الموجودة من الاختلافات الثقافية و البيئة الإجتماعية التي تجعل المبادرة تتحقق و لعل الأكثر نجاحا هي التي تشترك فيها مع الآخرين للوصول معا إلى افكار جديدة و استغلالها لتطبيقها على الواقع.

فالمبادرة سر من أسرار النجاح و التفوق لذا وجب على الفرد التحلي بروحها بدء من ثقته بنفسه و ان يكون شجاعا في اتخاذ قراراته وصولا إلى تطبيق أفكاره دون تأخير و اغتنام كافة الفرص.

فقد تكون الفكرة فرصة و الفرصة ثمينة

و فواتها لا يعوض و المبادرة إلى تحقيقها دليل القوة و عنوان العقل.

بادر و ناضل لعلك تحقق ما إليه تبادر.

شجون

2011.03.30

3 التعليقات:

منير سعدي يقول...

تطرّقتِ للموضوع من جوانب مهمة ودقيقة
أهمها الأمثلة التي ذكرتها
بالتوفيق

عبد الله يقول...

رائع و جميل الإستشهاد و التسلسل و كل شيئ ، لكن كنت أعتقد أنّ الموضوع هو : ريادة الأعمال ؟ على العموم ، سأصوّت لماقلك لأنه المقال الوحيد بالعربية ، بالتوفيق

غير معرف يقول...

صوتي لك رائع

إرسال تعليق