
ما إن رحلت عنا سنين العجاف حاملة معها ذكريات أنفلونزا الطيور و الخنازير الأليمة التي اجتاحت العالم بأسره مخلفة وراءها الضحايا بالآلاف، حتى حل علينا عام جديد حاملا معه أنفلونزا من نوع آخر هاته المرة حاملة معها أمل و بشرى خير عديد.
إنها أنفلونزا الشعوب الثائرة أو بالأحرى هي أنفلونزا الياسمين لأن من تونس كانت بدايتها لتجتاح جمهوريات العرب ومملكاتها تفتك بقادتها و سلاطينها و أمرائها الواحد تلو الآخر بعد أن كانوا هم من يفكرون في وقاية شعوبهم من الاتفلونزات المدمرة. نعم كان ميلادها في تونس الخضراء لتنقل عدواها إلى أنظمة لقيطة ثمرة الخطيئة لزنا الفساد مع الاستبداد حيث أن جميع هاته الأنظمة تحمل في طياتها بذور الفناء من شعبها ، كما تحمل نفس أعراض إصابتها بهاته الأنفلونزا الفتاكة .
وابوعزيزاه ... صرخة ألم في يوم أمل كانت ميلادا لأولى إشراقات عهد جديد و انقشاع غيم عنيد خيم على أبناء تونس لسنين حالكة طوال عانوا خلالها مرارة الظلم و ذل القهر، و بؤس المعيشة ليأتي معها فجر يوم جديد و يضع نهاية لليالي الطرابلسية الحالكة و يطوي آخر الصفحات من حكاية ألف " تحفيفة و تحفيفة " التي أصلعت رؤوس التونسيين ليحلق في الليلة الأولى بعد الألف رأس ليلى و ما ملكت أيمانها ممن عاثوا في الخضراء فسادا ، و أكثروا فيها قمعا و استبدادا، فلقد فاجأ ياسمين تونس أشواك نظامها المستبد بثورة عذراء اجتمعت حولها كل فئات المجتمع التونسي البسيطة منه و النخبة، الرجال و النساء، الشيوخ و الأطفال ايمانا منهم بصدق القضية و إدراكا لقيمة الحرية ليعتكفوا الشوارع مناشدين التغيير و إسقاط النظام و لسان حالهم يقول "البحر من ورائكم ، و بن علي من أمامكم " رافعين شعارا واحدا المـــوت واحد لذلك
كفى ...كفى ....الشعب يريد إسقاط النظام .
لقد كان نظام بن علي و حاشيته في تونس يوهم نفسه و لأزيد من عقدين من الزمن أن اليأس قد ضرب بأطنابه في نفوس التونسيين، و أنه قد انطفأت فيهم كل آمال التغيير، و أن سياسة " جوع كلبك يتبعك " قد أتت أكلها ، و أنه لم يبقى من تونس الخضراء إلا حدائق قصورهم المشيدة ، و أن رمال الطغيان و الفساد قد صحرتها كلية فراحت نموره الحمراء الشرهة تنغمس في حياة البذخ ، و الترف الفاحش، و النهب الوحشي لثروات البلاد، و قمع الحريات، فشكلت إمبراطورية الفساد و حصنتها بآل بن علي، و آل طرابلسي ، و لم يكن يخطر ببال عصابة " الحفافين " و أتباعهم أن تلك الحقيقة الجديدة لتونس قد أنبتت ياسمينا كثيفا يفوح شذاه الطيب عطرا خارقا للعادة خارقا معه أسوار قصورهم العاتية ليشموا رائحته و هم الذين غرقوا في روائح " الغوز " و "الفلوغ " الفرنسية المزيفة.
وجرت الرياح بما لم تشتهيه نفوس الظالمين فهبت عليهم رياح عاصفة البوعزيزي من حيث لم يحتسبوا ومن سيدي بوزيد منطلقا لها حاملة عبير الياسمين المنعش ليعم كل أصقاع الخضراء ، و يغمر أجوائها بنسيم الحرية، و يخلصها من روائح الإستبداد الكريهة ليخنق به عصابة المستبدين بالحساسية المفرطة، فما كان لهم إلا أن فروا كالفئران في ليلة ليست ككل الليالي، و يستقر بهم المقام اضطرارا لا خاطرا هناك بصحراء الثلث الخالي حيث منفاهم الحتمي بعد أن استقبحتهم النفوس ورفضتهم الصديقة قبلالعدوة في انتظار محكمة الدهر و مقصلة القدر.
هكذا اذن وعد المخضرم ابن الخضراء أبو القاسم الشابي، و هكذا استجاب القدر لإرادة الشعب التونسي العظيم في كنف الحرية و الديموقراطية ، و بعد استأصال الورم الخبيث، و مواظن السرطان من كيان المجتمع يستعد الجميع لتدشين عهد جديد عنوانه الإتحاد من أجل إعادة البناء و الإزدهار و الرقي في إطار الشفافية التامة، و التوزيع العادل للثروات، و احترام النخب و الكفاءات التي تزخر بها البلاد لإرساء دولة الحق و القانون، و الحريات، مع المحافظة على مكاسب ثورة الياسمين التي دفع التونسيون ثمنها باهضا . و كانت هذه الثورة أحلى هدية من أحلى عام جديد سيبقى و دون شك محفورا في ذاكرة تونس و أجيالها الصاعدة.
بقلم الطالب عادل آيت وراس و مراجعة الأستاذة شجون
0 التعليقات:
إرسال تعليق