الاثنين، 22 نوفمبر 2010

همسات طفولية:



مررت على باب طفولتي ... أستأذنها قبل الدخول، أسأل جدرانها و أثاثها ... عن سر هذا الخذول، مررت عل باب طفولتي ... و لم أستطع الدخول... فهي لم تعد لي و ساكنها أضحى مجهول ... يدفعني ... يطردني لا يريدني أن أتقرب حتى إلى بابها.

مررت بجنبها ...تأملت حيّها، و أمعنت النظر في هندستها، حيّيت جيرانها...لكن إليها لم أستطع الدخول.

لماذا ؟ ألم يكن ذاك البيت بالأمس ملك لعائلتي ... كيف لم يعد كذلك اليوم؟ أدخل في حارتها أشم رائحة الخبز الذي كانت تعده أمي و من قبلها جدتي، نظرت إلى أعمدة البنايات التي كانت بالأمس في الأرض و اليوم أضحت شاهقة في السماء ، ما ان وضعت قدمايا على أرضها أحسست برجفة في جسدي تذكرني أيام كنت أصول و أجول في ذاك الحي و بالأخص في ذاك البيت البيت الذي خرجت منه لأول مرة إلى المدرسة و الثانوية، و الجامعة، البيت الذي كنت أعود إليه كل مساء باشتياق، و اليوم لم يبقى منه إلا ذكرى من ذكرياتي بل هي كل ذكرياتي فأنا مذ غادرته لم تعد لي ذكريات.

دخلت حارتي جاءني صوت جدتي و هي تناديني يا بنية تعالي حان وقت الدخول إلى المنزل و أنا منهمكة في اللعب مع الأطفال لعبة الغميضة أو لامارين.

سمعت صوت خالتي فاطمة، و فطومة، عائشة و كريمة الكل لم يعد موجودا كما عدت أنا لا أسكن ذاك الحي، ذاك الحي الذي تربيت و ترعرعت و كبرت بين بيوته فكل البيوت بيت واحد، الفرح واحد، و الحزن واحد.

وصلت إلى ذلك الباب وقفت أتأمل، أحاول أن أدق بابه أتراجع إلى الوراء لحظة ثم أعود لأحاول مرة أخرى، تشجعت و طرقت ذاك الباب مرة و مرتين لكن لا من مجيب، ذرفت دموع اليأس و الخيبة فباب بيتنا لم أستطع إليه الدخول.

و فجأة فتح ذاك الباب ... غمرتني السعادة ... عندها وقفت منتصبة عند الباب أنتظر الإذن للدخول.

فتح باب طفولتي بعدما استأذنته للدخول ... لم أجد منه سوى بقابا ذكريات، فالشجرة العتيقة التي كانت تتوسط المنزل لم تعد كذلك و كأنه بها أصبح مجهول، بحثت فيه عن لعبتي و أغراضي فلم أجد سوى بقايا ذكريات، بحثت عن ذاك الصندوق الذي كان هدية جدي لجدتي يوم زفافهما لم أعد أراه و لم أجد منه إلا بقايا ألواح.

بحثت عن غرفتي مع أخواتي حزنت عليها لأنها لم تعد سوى مطبخا به موقدا و ثلاجة و أواني بعدما كانت غرفة لأفرشتنا و أغراضنا و نومنا.

بحثت عن تلك الساحة التي كانت بها اجتماعاتنا و حتى غذائنا و عشائنا و اليوم لم تعد سوى ذكرى من ذكرياتي.

بحثت عن المطبخ الذي كانت منه تحضر موائدنا و اليوم لم يعد كذلك.

دخلت باب طفولي ... و لم أجد إلا ذرات من بقايا طفولة. دخلت باب طفولتي و لم أجد إلا ذكرياتي، تمنيت للحظة أن يعود الزمن إلى الوراء فتجتمع كل العائلة كما كنا من قبل نضحك و نمرح، نلعب و نلهو، نبكي و نحزن لكن هي الحياة و ظروفها أجبرتني أن لا أعود ساكنة بذلك البيت.

قفلت باب طفولتي و غادرت حاملة معي فقط ذكرياني فهي الوحيدة مؤنستني بعدما لم يعد البيت بيتنا.

الأربعاء في 2010.11.21

3 التعليقات:

غير معرف يقول...

كم من منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل
لكن من ذا الذي يستطيع تصفح طفولته بأفراحها و اتعابها و جدها و ألعابها ، أكيد ان الواحد منا يرجع احيانا لكن لن يوغل الا في القليل،
فكرة جيدة هاته العودة الى الصغر ، الى الحي، الى المنزل مسقط الرأس.
مررت على بقايا المدرسة التي درست فيها المرحلة الابتدائية و وجدتها أطلالا ، بكيت.


عيسى بن محمود

شجون يقول...

نعم كم من واحد مثلي غادر البيت الذي تربى فيه و نشأ بين أحضانه .احساس صعب أن تمر بجواره و لا تستطيع الدخول إليه و انا للأسف أضطر في كثير من الأحيان للمرور بجواره و أمس حدث معي هذا لذلك وجدتني اتحسر و تأثرت كثيرا فدونته.

منير سعدي يقول...

" اليوم لم يبقى منه إلا ذكرى من ذكرياتي بل هي كل ذكرياتي فأنا مذ غادرته لم تعد لي ذكريات ... "
* * * * * * * *
أروع ما وجدتُ هنا يا شجون " الصّدق " الذي رافقني كلمة كلمة ...
لا أدري كيف أوصف شعوري وأنا أقرأ تعابيرك وكأنّكِ كنتِ تتحدّثين عن بعض ذكرياتي وماضيّ الذي شوّبته بعض الأحداث!
رائعٌ عشقك وهوسكِ بذكريات الطفولة إنها المدرسة التي كلما كبرنا نتعلّم ونكتشف منها المزيد
كم هي بريئة ذكرياتك يا شجون إبداع حقيقي لأنه صادق من الروح للروح ومن القلب للقلب هذا سرّ شوقي لآخر حرف
كل الشكر على مشاطرتك ذكرياتنا أيضا

منير

إرسال تعليق